سورة فصلت - تفسير تفسير ابن جزي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (فصلت)


        


{ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ (11) فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (12)}
{ثُمَّ استوى إِلَى السمآء} أي قصد إليها، ويقتضي هذا الترتيب: أن الأرض خلقت قبل اسماء، فإن قيل: كيف الجمع بين ذلك وبين قوله: {والأرض بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا} [النزاعات: 30] فالجواب لأنها خلقت قبل السماء ثم دحيت بعد ذلك {وَهِيَ دُخَانٌ} روي أنه كان العرش على الماء، فأخرج إليه من الماء دخان فارتفع فوق الماء فأيبس الماء فصار أرضاً، ثم خلق السموات من الدخان المرتفع {فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ ائتيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً} هذه عبارة عن لزوم طاعتها، كما يقول الملك لمن تحت يده: افعل كذا شئت أو أبيت، أي: لا بد لك من فعله، وقيل: تقديره ائتيا طوعاً وإلا أتيتما كرهاً، ومعنى هذا الإتيان تصويرهما على الكيفية التي أرادها الله، وقوله لهما {أَتَيْنَا} مجاز، وهو عبارة عن تكوينه لهما وكذلك قولهما: أتينا طائعين عبارة عن أنهما لم يمتنعا عليه حين أراد تكوينهما، وقيل: بل ذلك حقيقة وأنطق الله الأرض والسماء بقولهما: {أَتَيْنَا طَآئِعِينَ} وإنما جمع طائعين جمع العقلاء لوصفهما بأوصاف العقلاء {فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سماوات} أي صنعهنّ والضمير للسموات السبع، وانتصابها على التمييز تفسيراً للضمير، وأعاد عليها ضمير الجماعة المؤنثة لأنها لا تعقل، فهو كقولك: الجذوع انكسرت، وجمعهما جمع المفكر العاقل في قوله: {طَآئِعِينَ}، لأنه وصفهما بالطوع، وهو فعل العقلاء فعاملهما معاملتهم فهو كقوله في [سورة يوسف: 4]: {رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ} وأعاد ضمير التثنية في قوله: {قَالَتَآ أَتَيْنَا} لأنه جعل الأرض فرقة والسماء أخرى {وأوحى فِي كُلِّ سَمَآءٍ أَمْرَهَا} أي أوحى إلى سكانها من الملائكة، وإليها نفسها ما شاء من الأمور، التي بها قوامها وصلاحها، وأضاف الأمر إليها لأنه فيها {وَزَيَّنَّا السمآء الدنيا بِمَصَابِيحَ} يعني الشمس والقمر والنجوم، وهي زينة للسماء الدنيا سواء كانت فيها أو فيما فوقها من السموات {وَحِفْظاً} تقديره: وحفظناها حفظاً ويجوز أن يكون مفعولاً من أجله، على المعنى كأنه قال: وخلقنا المصابيح زينة وحفظاً.


{فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ (13) إِذْ جَاءَتْهُمُ الرُّسُلُ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ قَالُوا لَوْ شَاءَ رَبُّنَا لَأَنْزَلَ مَلَائِكَةً فَإِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ (14)}
{فَإِنْ أَعْرَضُواْ} الضمير لقريش {صَاعِقَةً} يعني واقعة واحدة شديدة، وهي مستعارة من صاعقة النار، وقرئ صعقة بإسكان العين وهي الواقعة من قولك صعق الرجل {إِذْ جَآءَتْهُمُ الرسل مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ} معنى ما بين الأيدي المتقدم، ومعنى ما خلف المتأخر، فمعنى الآية: أن الرسل جاؤوهم في الزمان المتقدم، واتصلت نذارتهم إلى زمان عاد وثمود، حتى قامت عليهم الحجة بذلك من بين أيديهم، ثم جاءتهم رسل آخرون عند اكتمال أعمارهم، فذلك من خلفهم، قال ابن عطية وقال الزمخشري: معناه أتوهم من كل جانب، فهو عبارة عن اجتهادهم في التبليغ إليهم، وقيل: أخبروهم بما أصاب مَنْ قبلهم، فذلك ما بين أيديهم، وأنذرهم ما يجري عليهم في الزمان المستقبل وفي الآخرة فذلك {إِوَمِنْ خَلْفِهِمْ} {أَلاَّ تعبدوا إِلاَّ الله} أنْ حرف عبارة وتفسير أو مصدرية على تقدير بأن لا تعبدوا إلا الله {فَإِنَّا بِمَآ أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ} ليس فيه اعتراف الكفار بالرسالة، وإنما معناه بما أرسلتم على قولكم ودعواكم، وفيه تهكم.


{فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لَا يُنْصَرُونَ (16)}
{رِيحاً صَرْصَراً} قيل: إنه من الصرّ وهو شدة البرد فمعناه باردة وقيل: إنه من قولك: صرصر إذا صوت فمعناه لها صوت هائل في أيام نحسات معناه من النحس وهو ضد السعد وقيل شديدة البرد وقيل: متتابعة والأول أرجح، وروي أنها كانت آخر شوال من الأربعاء إلى الأربعاء وقرئ نحسات بإسكان الحاء وكسرها فأما الكسر فهو جمع نحس وهو صفة وأما الإسكان فتخفيف من الكسر على وزن فعل أو وصف بالمصدر.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8